تولى عمو بابا تدريب المنتخب العراقي لاول مرة عام 1978 ليبدأ رحلة غير مسبوقة اضافت الكثير الى رصيده حيث حقق في العام التالي لقب بطولة كأس الخليج بكرة القدم التي استضافتها بغداد للمرة الاولى.. والاخيرة..
لم يكن العراق فقيراً في تلك الفترة، ولكن الصرف على الكرة العراقية كان قليلاً بالقياس الى عائدات العراق، ففي عام 1973 قضى العراقيون 3 ايام للوصول الى ملبورن ومواجهة استراليا في اول مشاركة لهم في تصفيات كأس العالم لكرة القدم، لقد كان اعضاء الاتحاد العراقي لكرة القدم قد قاموا بشراء تذاكر طائرات رخيصة اجبرت المنتخب العراقي والبعثة على الذهاب الى الكويت براً في طريق امتد عشر ساعات، ثم انتقلا الى الهند في رحلة بالطائرة لعشر ساعات بعد انتظار في مطار الكويت لنفس الوقت، ثم عشر ساعات اخرى ضاعت في انتظار طائرة الى بانكوك، ومن ثم الى سدني فملبورن .. المنتخب العراقي خسر 3/1 في تلك المباراة وبالتالي فقد فرصة الانتقال الى المرحلة التالية من التصفيات.
اصبحت كرة القدم الرياضة الشعبية الاولى في العراق، وفي وقت المأزق السياسي لابد من الركون اليها، كانت الطبقة الفقيرة هي التي تلعب كرة القدم، واغلبها من الشيعة، وبلغ عدد مشاهدي المباريات بين القرى العراقية عدة الالاف للمباراة الواحدة.
ومع دخول العراق الحرب عام 1980 مع ايران، كانت كرة القدم اداة مهمة لتهدئة الشعب، عموبابا كان من ابرز الاسماء في العراق على جميع الاصعدة، وكان ذلك بفضل تدريبه للمنتخب العراقي، رغم ان منتقديه قالوا ان عمو بابا يركز على اللياقة البدنية ولا يقدم اي تكتيك خلال مبارياته "لكنني اثرت اعجاب الف رامزي الذي قال لي كيف يمكنك جعل هولاء العرب بهذا المستوى من اللياقة البدنية!".
يقول عمو بابا "لم يساعد الاتحاد العراقي لكرة القدم او صدام حسين كرة القدم في العراق في تلك الفترة، لكنني لم اتوقف عن هذا العائق طويلاً، في مرة من المرات كان علي ان استعين بشاحنات كي تساعدني على الحصول على ميدان كرة ممهد ومسطح قابل للعب عليه".
مجئ الثورة الاسلامية في ايران غيرت من سياسة الحكومة العراقية لفترة قصيرة "خلال الفترة بين العامين 1978 و 1980 كان يمكنك ان تشاهد وجود ملعب في كل القرى العراقية ، وبدأ النقل التلفزيوني للدوري العراقي بكرة القدم والعديد من المنافسات الدولية وقد جرى دعوة العديد من الاندية الخارجية للعب في العراق"..
لكن بعد بدأ الحرب العراقية الايرانية، كانت الحاجة الى الشباب العراقي ملحة، وجرى مضاعفة الجيش العراقي من 100 الف جندي عام 1982 الى مليون جندي بحلول العام 1985، وهذا كان يعني ان تتراجع المواهب الكروية كثيراً.
يتذكر عمو بابا احدى المراحل الصعبة خلال هذه الفترة "في عام 1982، وخلال احدى منافسات الشباب تحت 19 عاماً، كان علينا مقابلة ايران في حال فزنا بالمجموعة، وقد جرى تهديد التشكيلة باعدامها في حال قابلت المنتخب الايراني ولم تفز بهذه المباراة، لقد خسر الشباب خلال المراحل التمهيدية لكي يخرجوا من البطولة مبكراً ويتخلصوا من التهديد".
خلال هذه الفترة بدأت مواجهاته مع عدي صدام حسين "اتذكر انني كنت ادرب فريق الجيش، وجاء احد الضباط طالباً مني اني عدي يريد رؤيتي لذلك ذهبت اليه، كانت تلك المرة الاولى التي اقابله فيها، دعا احد المصورين، وقد قمنا بالتصوير ومازلت احتفظ بالصورة، وكنت ارتدي ملابسي الرياضية، طلب عدي مني اعداد فريق جيد ، وحينما قلت له انه بامكاني العثور على لاعبين جدد، قال لي .. لا اريد من اللاعبين الموجودين".. وهذه كانت بداية نادي الرشيد الرياضي.
اخبر عمو بابا نجل الرئيس العراقي الاكبر ان الاندية العراقية لن تسمح بالتخلي عن لاعبيها "قال لي انه سيعتني بالامر، وقدمت له لائحة باسماء اللاعبين وحصل عليهم الا اثنين، هما حسين سعيد (كان عمره 26 عاماً ويلعب لنادي الطلبة) و رعد حمودي (كان حارس مرمى نادي الشرطة) .. لم يحظى هذا النادي بالشعبية المطلوبة وكرهه الناس".
وتكررت المواجهات مع عدي "لقد اعتاد الاتصال بالاعبين وتهديدهم، وفي بعض المرات كان يتصل بنا خلال استراحة مابين الشوطين ليهدد اللاعبين ، كان يتحدث بجنون وقلت له فليذهب الى الجحيم وانهم لايعرف اي شي عن كرة القدم.. لكن كيف بقيت على قيد الحياة؟.. لان الناس في العراق تحب كرة القدم وتحبني كثيراً، وكان رجال الامن حوله يقولون لي دائماً" يا سيدي لا تقل اي شي سيء عن الاستاذ".
كان صدام حسين يحب ويحترم عمو بابا كثيرا "لقد قال لي انك اشرف عراقي رأيته في حياتي".. وهذا ما انقذ الاخير من قبضة نجله "بعد كأس العالم 1986 قال لي عدي صدام حسين انني لست جيداً وانني لا احمل الخبرة اللازمة ولا استحق الوظيفة التي انا فيها.. كان غالباً يهدد المنتخب العراقي قبل المباريات" ويضيف "عدي لم يكن يعرف الرحمة.. لا اعرف لماذا لم يوقفه صدام حسين، لقد قام عدي بافعال لم يقم بها هتلر نفسه، لقد ضربنا باسلاك الكهرباء ، وجعل اللاعبين يركلون كرة من الكونكريت، لقد كان يشاهدنا ويضحك".
في بعض المرات كان عدي صدام حسين يخرج عن طوره بسبب عمو بابا "كنت اختار لاعبين لا يريدهم هو، ويرسل بقوائم المباريات واختار غيرها، وهو يقول لي ساقتلك ، ساعلق رأسك فارد عليه بالقول: لا يهمني، انا اقوم بواجبي على افضل حال، انت لست بافضل مني"
في واحدة من المرات كان عمو بابا على موعد مع مواجهة غير مسبوقة "وقفت امام عدي صدام حسين ووالده صدام الذي قال للاول : لماذا تشتكي دائماً على عمو بابا؟.. فقال عدي انني اتحدث عنهما بسوء، فقلت له، اسمعني استاذ عدي، اريد ان اخبرك شيء ما، انا عراقي، مسيحي، اشوري، وقد قال السيد المسيح في الانجيل، ان احترم حكومتي واحترمك، ولكنك لا تحترمني، كل ما قمت به كان جيداً لك وللبلد، انا اكبر عمراً من والدك حتى، تريد مني ان اقول للناس اننا نحصل على النتائج الجيدة بسبب توجيهاتك، وهذا مناف للحقيقة، سيضحك الناس علينا، لانهم يعرفون الحقيقة" فرد عدي بالقول "لقد اخبرت والدي انك تتحدث عنا" فقلت له "هذا صحيح.. انا اتكلم عنك ولكنني لا اتكلم عن والدك".. بعد ذلك تعانق الاثنان، وبمرور ثلاثة ايام تم اعفاء عمو بابا من مهام عمله.
رحل عمو باب بعد رحلة حافلة عاشها، عكست تاريخ العراق بقوة لم تعكسها سيرة غيره.