George Sheyozi
عدد المساهمات : 604 تاريخ التسجيل : 15/04/2009
| موضوع: نبذة عن حياة الربان هرمزد القديس الإثنين أبريل 27, 2009 4:14 am | |
| الراهب اشور ياقو البازي
المقدمة
القديسون هم نخبة من الناس الذين احرزوا قصب السبق في مضامير التغلب على الذات، فكبحوا الشهوات والأهواء المنحرفة، واندفعوا في رحاب الحب الالهي مقدّمين ذواتهم محرقة طاهرة على مذابح التضحية والخدمة والتفاني.
وهناك قديسون رفعتهم الكنيسة على المذابح معلنة قداستهم، مقدمة إياهم قدوة صالحة للعالم، وهناك مَن عاشوا في الخفاء، وهم كُثر، لم يدرِ بهم غير الله سبحانه، فطواهم الدهر والنسيان، ومن بين هؤلاء القديسين المّيامين الربان هرمزد الذي هفَا قلبه الكبير منذ نعومة أظفاره إلى القداسة يعبّ من حياضها غير هيّاب، عاقداً النيّة على البلوغ إلى هذا الأرب المرتجى، بعد تفكير طويل، فمضى في صراعه الروحي يصفع الخوف والتردد، كان تواقاً بكل جوارحه إلى الظفر بإكليل القداسة طوال الحياة، فأعلن حرباً قاسية على الذات، وعلى الميول الفاسدة، والجوع، والعطش، والتراخي، والألم، والتجارب في اختلاف مَناحيها، حرباً تشحب امام عظمتها وقدسيّتها اشرس الحروب الماديّة الجسدية الطاحنة، ففاز بغار الانتصار الذي لا يذوي مدى الأبدية كلِّها.
كثير من الشباب اليوم يَصبون بكل قواهم أن يصيروا أطباء، أو مهندسين، أو قادة، أو رواداً مكتشفين، إلى ما هنالك من المِهَن والمناصب .. أما الربان هرمزد فقد اختار النصيب الأفضل والأبقى : أن يكون قديساً. انه الهدف الذي خفق له قلبه طوال الحياة.
كل الناس مدعوّون إلى القداسة، مهما اختلفت ألوانهم، وأعراقهم، وأوضاعهم المالية. فما أن نتصفح لوائح القديسين حتى نتبيّن صحّة هذا القول. ففي الديانة المسيحية لا سيد ولا مَسود ولا تمييز عرقيّ، بل كل الأنام سواء أمام الله خالق البرايا.
هذا، ولقد أُسعد الربان هرمزد في اتّباعه طريق القداسة، تحت هدي الروح القدس. لم يولد الربان هرمزد قديساً، بل جاء إلى هذا العالم كغيره من الأنام، له عيوبه وميوله، فراح يقتلع الفساد من جذوره ويشذّب الأغصان اليابسة من حقل نفسه بلا هوادة، إلى أن نال في النهاية مأربه بعد الجهاد المستميت.
نبذة عن حياة الربان هرمزد
ولد الربان هرمزد مؤسس الرهبانية الأنطونية الهرمزدية في بيت لافاط ( شيراز ) من مقاطعة الأهواز في أواخر القرن السادس الميلادي، من أبوين شريفين هما يوسف وتقلا.
دخل المدرسة في مدينته وعمره اثنتا عشرة سنة، وتلقى مبادئ العلوم الدينية واللغوية، ونبغ في علوم الكتاب المقدس التي كانت تستهويه، وفي العشرين من عمره شعر برغبة قوية في الانقطاع إلى حياة التنسك والزهد، فعزم أولاً على زيارة الأماكن المقدسة، فترك ذويه ورحل صوب فلسطين وبعد مسيرة سبعة وثلاثين يوماً وصل مدينة ( حالا ) الواقعة بين نهري رادان وديالى، وهناك صادف ثلاثة رهبان من دير برعيتا ( دَيرًا دبَرعدةًا ) الواقع في منطقة المرج، فأقنعوه بالإقلاع عن عزمه ومرافقتهم إلى الدير، والرهبان الثلاثة هم يعقوب من كفر زمار، ويوحنا المشراحي، وحنانيشوع من حدياب ( اربيل )، ورافقهم هرمزد إلى الدير الذي كان يضم آنذاك مئتي راهب، وكان بإدارة الربان سبريشوع الذي أصله من نينوى ( الموصل ). في دير الربان برعيتا أتم الربان هرمزد الابتداء واقتبل الاسكيم الرهباني، ولسيرته الطاهرة غدا مثالاً حياً يحتذي به اخوته الرهبان. غادر الربان هرمزد دير برعيتا وعاش في خلوة صارمة ملبياً الدعوة التي أرادها الله له، باذن من رؤسائه في الدير. وأقام في مكان منفرد في كوخ جبلي منقطعاً إلى الصوم والصلاة، والتأمل، والتقشف، والتقى يوماً راهباً اسمه ابراهيم وأصله من دير بيت عابي، وقد تحدث هذا الراهب إلى الربان هرمزد عن ديره، فبعث في نفسه الرغبة لزيارة هذا الدير والاطلاع على نمط حياة رهبانه، فقصداه معاً ومكثا فيه ثلاثة اشهر. ثم انطلقا منه إلى دير الرأس ( دَيرا درشًا )، أو دير مار ابراهيم في جبل مقلوب حيث الربان يوزادق ورهبانه، وهم يوحنا الفارسي، والأنبا دونا، وايشوع، وشمعون، وعاش هناك جميعهم في حياة نسك وزهد مثالية.
واثر جفاف النبع الذي منه كان يشرب الاخوة الرهبان تفرقوا إلى أماكن شتى. فقصد يوزادق مع دونا وشمعون جبال قردو، وقصد هرمزد وابراهيم جبال بيت عذري، ومكث ايشوع ويوحنا في الموضع نفسه. سار الربان هرمزد والربان ابراهيم إلى موضع في جبل بيت عذري شرقي قرية القوش، وأقاما بجوار كهف فيه ينبوع ماء يتحلب من الصخور، وقد عرف هذا النبع فيما بعد بعين القديس ( عَينًا دقَديٌشًا ). واتخذ كل منهما مغارة بجوار العين، غير ان ابراهيم لم يمكث هناك سوى ثلاثة أيام، انتقل بعدها إلى شمال شرقي ( باطنايا ) حيث ابتنى له ديراً وهو الدير المعروف اليوم بدير مار اوراها.
اما الربان هرمزد فمكث في الجبل. فتقاطر إليه اهالي القرى القريبة من القوش فرحين مستبشرين، ووعدوه انهم على استعداد أن يقدموا له يد المعونة متى ما شاء، وممن ساعدوا الربان هرمزد أيضاً أمير الموصل عقبة أو عتبة بن فرقد السلمي الذي تولى الموصل سنة ( 637 م )، والذي شفي ابنه شيبين على يد الربان هرمزد فساعده على بناء الدير حوالي عام 640م
ويروي أن خمسين شخصاً من مدرسة ايث الاها( ايٌةٌ اَلًىًا ) في نوهدرا ( نوىدرًا ) ( دهوك الحالية ) قصدوا الربان هرمزد وانضموا إليه ليعيشوا حياة نسك جماعية، وسرعان ما ابتنوا لهم كنيسة، فكانت نشأة دير الربان هرمزد، وقد ساعد في تشييد الدير أهالي القرى المجاورة لالقوش. وتوسع الدير وبلغ عدد الرهبان فيه في فترة قصيرة مائة وعشرة رهبان، ويمكننا اعتبار فترة تأسيس الدير السنوات ما بين ( 628 – 647 م ). أي في عهد الجاثليق ايشوعياب الثاني الجدالي. وبعد حياة طاهرة وعفيفة ومقدسة توفي الربان هرمزد وعمره سبع وثمانون سنة. قضى منها عشرين سنة في البيت والمدرسة، وتسعا وثلاثين سنة في دير الربان برعيتا، وستا في دير الرأس، واثنتين وعشرين سنة في ديره، ودفن في كنيسة الدير باجلال عظيم، ولا يزال قبره قائماً حتى اليوم في قبر الشهداء، أو القديسين، ويحتفل بذكراه في الاثنين الثالث بعد عيد القيامة، كما يخصص الأول من أيلول لذكراه أيضاً.
الراهب اشور ياقو البازي | |
|